تفاسير سور من القرآن
وجوب الرجوع إلى شرع الله وتعاليمه
...............................................................................
فعلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يعملوا بهذه الأوامر السماوية المنزلة من خالق السماوات والأرض الذي فتح أعينهم في وجوههم.
وصبغ لهم بعضها بصبغ أسود وبعضها بصبغ أبيض، وفتح لهم آنافهم وأفواههم، وأعطاهم الألسنة، وأنبت لهم الأسنان، وشق لهم المحل الذي ينزل عنهم منه البول والغائط، وفتح لهم العروق والشرايين ليجري فيها الدم.
فهذا لو لم يثقبه رب العالمين ويفتحه لما قدر أحد على أن يثقبه، هذا الذي هذه عظمته وهذا سلطانه وقدرته عليكم -يأمركم بوحيه المنزل من فوق سبع سماوات أن تتبعوا أوامره ونواهيه التي أنزلها على رسله.
ولا تتبعوا أولياء غيره جل وعلا، ولا تشريعات غير شرعه جل وعلا؛ فيجب على جميع المسلمين أن يعلموا أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، والمتبع هو نظام الله الذي أنزله في هذا القرآن على سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه.
فالذين يتمردون على هذا الأمر يسمعون في القرآن: رسم> اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ قرآن> رسم> ويقولون: لا؛ لا يمكن أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا بل نتبع قانون نابليون اسم> أو قانون فلان أو فلان من القوانين الوضعية المستوردة المتمردة على نظام خالق السماوات والأرض.
هذا أمر لا يليق، وصاحبه ليس من الإيمان في شيء؛ لأن هذا الكون ليس فوضى، وإنما له خالق جبار ملك عظيم قهار خالق كل شيء، وبيده كل شيء، وإليه مرجع كل شيء، ولا يقبل أبدا ولا يرضى أبدا أن يتبع شيء إلا الشيء الذي أنزله جل وعلا على رسوله الكريم لينذر به ويذكر به المؤمنين.
فهذا هو الذي ينبغي أن يتبع -هو نظام السماء الذي يحفظ لبني آدم في دار الدنيا -يحفظ لهم أديانهم أتم الحفظ، ويحفظ لهم أنفسهم، ويحفظ لهم عقولهم، ويحفظ لهم أنسابهم، ويحفظ لهم أموالهم، ويحفظ لهم أعراضهم إلى غير ذلك من مقوماتهم الدينية والدنيوية؛ ويجب اتباعه وعدم العدول عنه إلى غيره.
وبهذا تعلمون أن من يقوم ويعلن في وقاحة أمام جميع الدنيا أنه لا يتبع ما أنزله الله إلى سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، والله يأمر باتباع ما أنزل وترك اتباع غيره، وهو يعلن إذا كان رئيسا لقوم باسم الذين يزعم أنه يمثلهم أنه لا يحكم بما أنزل الله ولا يتبع ما أنزل الله.
بل يحكم بقانون آخر وضعي وضعه زنادقة كفرة فجرة، مظلمة قلوبهم هم في أصل وضعه عالة على علماء المسلمين، زنادقة كفرة فجرة. يرغب عن تنزيل رب العالمين المأمور باتباعه، ويذهب إلى وضع الخنازير الكفرة الفجرة، يعتقد أنه هو الذي ينظم علاقات الحياة؛ زاعما أن القرآن تقاليد قديمة وأن ركب الحضارة تطور عنها، وأن الدنيا تطورت في أحوالها الراهنة تطورا بعد نزول القرآن لا يمكن أن ينظمه القرآن.
فهذا كلام الفراعنة الجهلة المتمردين على نظام السماء، ولا يوجد في الدنيا نظام يضبط علاقات الأفراد، وينشر الطمأنينة والرخاء والعدالة إلا نظام السماء الذي وضعه خالق السماوات والأرض جل وعلا.
والقرآن بين لنا في آيات كثيرة أن الذي يتمرد على هذا الأمر في آية سورة الأعراف: رسم> اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ قرآن> رسم> ولم يتبع ما أنزل إليه من ربه، واتبع القوانين والنظم الوضعية؛ بين لنا في غير ما آية أنه كافر ، وأن ربه الشيطان وأن مصيره إلى النار خالدا فيها مخلدا ....
... الحلال ما قتله الله فهو ذبيحة الله، وأن المذكاة التي سمي عليها الله أنها ليست أحل من الجيفة؛ لأنكم أنتم الذين قتلتموها، وقتل الله أحل من قتلكم.
هذا وحي الشيطان وفلسفة الشيطان يريد أن يحلل لحم الميتة، ونظام السماء يحرم لحم الميتة على لسان الرسول مأمورا بقوله: رسم> اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ قرآن> رسم> ومنه تحريم الميتة.
أنزل الله: رسم> وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قرآن> رسم> ؛ يعني الميتة، وإن زعم أولياء الشيطان وأتباعه الذي يوحي إليهم أنه ذبيحة الله بسكين من ذهب وأنه أحل من ذبيحة المسلمين.
قال: رسم> وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قرآن> رسم> ثم قال: رسم> وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ قرآن> رسم> ؛ أى خروج عن طاعة خالقكم، ثم قال: رسم> وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ قرآن> رسم> ؛ يعنى بوحي الشيطان قوله: ما ذبحتموه بأيديكم حلال، وما ذبحه الله حرام؛ فأنتم إذن أحسن من الله.
ثم قال وهو محل الشاهد: رسم> وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ قرآن> رسم> هذا فصل الله جل وعلا بين المتحاكمين إلى قانون الشيطان والمتحاكمين إلى قانون الرحمن، فقد اختصم أتباع الشيطان وأتباع رسل الرحمن في مضغة من لحم هي لحم الميتة.
فقال أتباع الشيطان: إنه حلال، واستدلوا على ذلك بوحي الشياطين أنها إنما قتلها الله، وما قتله الله ذبيحة الله، وذبيحة الله أحل كل شيء. هذا وحي الشيطان وتشريع الشيطان وإلغاء الشيطان إلى أتباع الشيطان. ثم إن الذي أنزل الرحمن على رسل الرحمن أن الميتة التي ماتت ولم تذك ولم يذكر اسم الله عليها -أنها ميتة يحرم أكلها رسم> إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ قرآن> رسم> رسم> وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قرآن> رسم> فهذه طائفة الشيطان تتبع قانونه ونظامه أن هذا اللحم حلال.
وهذه طائفة أتباع رسل الرحمن تحكم بأن هذا اللحم حرام بتشريع خالق السماوات والأرض. ثم هذا فصل الله وحكمه بين الطائفتين قال: رسم> وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ قرآن> رسم> رسم> وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ قرآن> رسم> في تشريع إبليس واتباع قانونه ونظامه في تحليل الميتة رسم> إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ قرآن> رسم> بخالق السماوات والأرض؛ لأن التحريم والتحليل لا يكون إلا للسلطة العليا التي لا يمكن أن تكون فوقها سلطة.
وحكم الله هو كعبادته، وكما أنه يجب إفراده في عبادته يجب إفراده في حكمه؛ ولذا قال: رسم> وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا قرآن> رسم> وقال: رسم> وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا قرآن> رسم> ؛ فجعل الحكم كالعبادة. وفي قراءة ابن عامر اسم> كبير القراء قارئ أهل الشام اسم> ولا تشرك في حكمه أحدا؛ أي لا تشرك أيها العبد في حكم ربك أحدا؛ فالحكم لله؛ لأن الحكم لا يمكن أن يكون إلا للأعظم الأكبر الأجل الذي ليس فوقه ولا أجل منه شيء.
كما قال تعالى: رسم> ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ قرآن> رسم> ؛ فقوله: رسم> الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ قرآن> رسم> هي مميزة لمن يستحق أن يكون الحكم له.
فإن كان الطواغيت الذين يتبع الخفافيش تعليمهم وأحكامهم هم العليون الأكبرون فليتقدموا، وإن كانوا هم الأصاغر الأخسون الأذلون فليعلموا أن الحكم ليس إليهم وإنما هو للعلي الكبير خالق السماوات والأرض جل وعلا.
وقوله في هذه الآية: رسم> وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ قرآن> رسم> هذا الشرك هو شرك أكبر مخرج عن الملة بإجماع المسلمين؛ فمن زعم أن الميتة حلال وأنها ذبيحة الله، وأن وحي الشيطان حق وأن نظامه أحق أن يتبع فإنه كافر بإجماع المسلمين كما صرح الله في قوله: رسم> وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ قرآن> رسم> وهذا الشرك هو شرك أكبر مخرج عن الملة.
وهؤلاء المشركون المتبعون قانون الشيطان ونظام إبليس هم الذين يوبخهم الله في سورة يس يوم القيامة على رءوس الأشهاد رسم> أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ قرآن> رسم> معنى عبادتهم للشيطان ليس معناها أنهم سجدوا له ولا صاموا ولا صلوا.
وإنما معناها أنهم اتبعوا ما شرع لهم من وحي الشياطين، وأخذوا بقانونه ونظامه في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله. قال الله: رسم> أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ قرآن> رسم> ثم قال: رسم> وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا قرآن> رسم> .
والله لقد أضل الشيطان منكم جمعا وخلائق كثيرة، ويدخل فيها الدخول الأولي هؤلاء الذين اتبعوا قانونه ونظامه وأعرضوا عن نظام الله المذكور في قوله: رسم> اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قرآن> رسم> .
ثم قال: رسم> وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا قرآن> رسم> ثم وبخهم لخساسة عقولهم ودناءتها، فقال: رسم> أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ قرآن> رسم> ؛ أليست عندكم عقول تعلمون أن من يطاع ويتبع تشريعه وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه -هو خالق السماوات والأرض لا إبليس؟!!.
ثم بين مصيرهم الأخير النهائي: رسم> هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ قرآن> رسم> وفي التنـزيل: رسم> إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا قرآن> رسم> ؛ يعني ما يعبدون إلا الشيطان؛ لأنهم اتبعوا نظامه وقانونه، وتركوا نظام الله الذي شرعه على ألسنة رسله.
والذين يتحاكمون إلى غير ما أنزل الله ويزعمون الإيمان؛ بين الله في سورة النساء أن دعواهم هذه كاذبة ، يتعجب من كذبها وكيف تجرأوا على قولها؛ حيث قال لنبيه: رسم> أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا قرآن> رسم> فعجب نبيه كيف ادعوا الإيمان وهم يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل.
والكفار مع أنهم كفرة فجرة يعبدون الأصنام إذا غيروا تشاريع الله، واتبعوا تشريع الشيطان مخالفا لشيء شرعه الله كان ذلك كفرا جديدا زائدا على كفرهم الأول؛ كما صرح الله بهذا في سورة التوبة في قوله: رسم> إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ قرآن> رسم> .
المراد بالنسيء تأخير الشهر الحرام؛ لأن النسء في اللغة التأخير، وربا النسأ ربا التأخير، ونسأ الله في أجله أخره وطول حياته. كانت ثلاثة من الشهور الحرم متوالية وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فكانوا تطول عليهم ثلاثة أشهر متوالية لا يأكل بعضهم بعضا، ولا يغير بعضهم على بعض.
فكانوا يقولون: إنما ننسيء الشهر الحرام ونؤخره فيحلون المحرم فيقاتلون فيه ويؤخرونه إلى صفر، قال جل وعلا: رسم> إِنَّمَا النَّسِيءُ قرآن> رسم> ؛ أي تأخير الشهر الحرام إحلاله وتحريم شهر آخر كان حلالا- تحليل لما حرمه الله وتحريم لما أحله الله.
قال في هذا: رسم> زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ قرآن> رسم> ولإحلالهم ما حرم الله ازدادوا كفرا إلى كفرهم. وأول من نسأ من العرب بنو فقي من كنانة، وكان شاعرهم يقول في شعره المشهور:
ألسنا الناسئــين علــى معــد | شهور الحـل نجعلهــا حرامــا |
فإذا كان الكافر الذي يسجد للصنم إذا غير حكم الله وحرم ما أحل الله وأحل ما حرمه الله؛ كفر كفرا جديدا زيادة إلى كفره الأول؛ فما بالكم بالمؤمن الذي يدعي أنه مسلم إذا غير منار الإسلام، وحرم ما أحله الله، وحلل ما حرمه الله مدعيا أن تحليل الله وتحريمه تطورت عنه الدنيا، وأن نظام السماء كان لائقا في ذلك الوقت، وأن ركب الحضارة تقدم عن ذلك، وأنه يحتاج إلى شيء جديد يلائم التطور الجديد.
هذا كلام المتزندقين الجهلة الذين يزعمون أنهم تقدميون وهم أشد الناس تأخرا وأخس الناس عقولا؛ حيث تنكروا لخالقهم وسيقرون يوم القيامة أنهم لا عقول لهم؛ حيث يقولون في جملة إخوانهم: رسم> لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ قرآن> رسم> .
فالتقدم كل التقدم، التقدم الحقيقي هو طاعة خالق السماوات والأرض، وامتثال أوامره واتباع ما أنزل إلى النبي الكريم؛ مع أن هذا الذي أمرنا الله أن نتبعه في قوله: رسم> اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ قرآن> رسم> .
يأمرنا بالتقدم في جميع الميادين الحيوية غاية التقدم؛ فدين الإسلام يأمر الإنسان بأن يكون متقدما قويا في جميع ميادين الحياة، وأن يكون متصلا بربه، مربيا روحه على ضوء تعليم السماء، منورا بصيرته بنور القرآن السماوي؛ فيكون علمه وعمله مزدوجا معطيا للجسم نصيبه، معطيا للروح نصيبها. هذا تعليم السماء وأمره الحق الذي لا شك فيه.
من تدبر آيات القرآن وجد القرآن العظيم يدعو إلى كل تقدم حيوي في جميع ميادين الحياة، إلا أنه يدعو الخلق إلى أن يطيعوا خالقهم، ويسترشدوا بإرشاد خالق السماوات والأرض ليدلهم على ما يصلحهم في دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم، سبحانه جل وعلا ما أحكمه وما أجهل من خالف تعاليمه !!
إلا أن الذي يذهب عن نور القرآن هو في الحقيقة كالخفاش، وأنتم تعلمون أن الخفاش لا يكاد ينتفع بنور الشمس؛ لأن نور الشمس لا ينتفع به إلا من أعطاه الله بصيرة، أما الخفافيش الذين سلب الله بصائرهم لا يكادون ينتفعون بنور الشمس .
فإذا انتشر سمار الشمس وانتشر العالم في ضوء شديد لا ينفق الإنسان فيه على كهرباء ولا على زيت ولا فتيلة. نور رب العالمين شديد مزج بين الأسود والأحمر، فالخفاش في ذلك الوقت لا ينتفع بهذا النور. فإذا كان الظلام خرج من محله يطير ويفرح ويمرح؛ لأن الظلام هو الذي يلائمه؛ فالقرآن العظيم إنما يلائم البصائر النيرة والأرواح الكريمة.
أما الأرواح الخنازيرية الخسيسة البهيمية فهي خفافيش البصائر لا يلائمها إلا الظلام والنتن؛ كما أن الجعل لا يلائمه إلا النتن وكما أن الخفاش لا يلائمه إلا الظلام:
خفافيش أعماها النهـار بضوئــه | ووافقها قطع مـن الليـل مظلـم |
والحاصل أن خالق السماوات والأرض يقول في كتابه المحفوظ الذي تولى حفظه بنفسه: رسم> إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قرآن> رسم> يقول مخاطبا لجميع الخلائق: رسم> اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ قرآن> رسم> يعني اتبعوا ما أنزله الله على لسان هذا النبي الكريم سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وخاتم الأنبياء الذي جاء بالحنيفية البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
مسألة>